فصل: فصل: (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصل: (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ):

(وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَالِاسْتِدْبَارُ يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْمُسْتَدْبِرَ فَرْجُهُ غَيْرُ مُوَازٍ لِلْقِبْلَةِ، وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ، لِأَنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا، وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَيْهَا.
الشرح:
فصلٌ:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ «قِيلَ لَهُ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟ فَقَالَ: أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ بِغَائِطٍ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو زَيْدٍ مَوْلًى لِبَنِي ثَعْلَبَةَ، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ: وَأَبُو زَيْدٍ هَذَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، انْتَهَى.
وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الِاسْتِدْبَارُ، وَمِثْلُهُ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ، يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ، انْتَهَى.
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ»، فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، فَهُوَ كَالْمُنْقَطِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ النَّهْيُ لِأَجْلِ الْقِبْلَةِ، أَوْ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ: وَتَعَلَّقَ الْأَوَّلُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ رِشْدِينَ الْجُنْدِيِّ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ».
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَلَسَ بِبَوْلٍ، قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ، فَذَكَرَ، فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا، لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ»، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا».
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ، أَسْنَدَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَالْمُرْسَلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ دَائِرٌ عَلَى زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، الْحَدِيثَ.
كَذَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ مُسْتَقْبِلَ بِالْمِيمِ، وَبِهَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْلِمٍ، مِمَّا تَتَبَّعْته مِنْ نُسَخِهِ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ: وَتَعَلَّقَ الْآخَرُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ، قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: إنِّي أَعْجَبُ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «دَخَلْت بَيْتَ حَفْصَةَ، فَجَاءَتْ الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَيْت كَنِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا».
قَالَ الشَّعْبِيُّ: صَدَقَا جَمِيعًا، أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ: إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا: مَلَائِكَةً وَجِنًّا، يُصَلُّونَ، فَلَا يَسْتَقْبِلُهُمْ أَحَدٌ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمْ، وَأَمَّا كُنُفُهُمْ هَذِهِ، فَإِنَّمَا هِيَ بُيُوتٌ بُنِيَتْ لَا قِبْلَةَ فِيهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعِيسَى هَذَا: هُوَ ابْنُ مَيْسَرَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَعِيسَى هَذَا، يُقَالُ فِيهِ: الْحَنَّاطُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَبَّاطُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ، وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَيَّاطُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ وَطَاءٍ آخِرُ الْحُرُوفِ، وَحَدِيثُ عِيسَى هَذَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لَيْسَ فِيهِ مَا قَصَدْنَاهُ.
أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» وَهُوَ فِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: «مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَعِنْدَهُمْ الْأَرْبَعَةُ: حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، لَفْظُهُمْ فِيهِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا، إذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، انْتَهَى.
وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ: يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمْ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: أَرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا، أَسْتَقْبِلُ بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ».
قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحْسَنُ مَا فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ، قُلْت لَهُ: فَإِنَّ عِرَاكًا يَرْوِيهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: سَمِعْت عَائِشَةَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ سَمِعَ عِرَاكٌ عَائِشَةَ بِمَا يَرْوِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا؟، وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت، وَهَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةٍ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ مِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا، وَلِعِرَاكٍ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ، قَوْلَهُ: سَمِعْتُ ثِقَةً، فَهُوَ مُقَدَّمٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَقِيَ الشَّيْخَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَدَّثَهُ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يُمْكِنُ لِقَاؤُهُ، وَقَدْ ذَكَرُوا سَمَاعَ عِرَاكٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ هُوَ وَعَائِشَةُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ مِنْ عَائِشَةَ، مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لِمُسْلِمٍ أَنْ أَخْرَجَ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، الْحَدِيثَ.
وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا رِوَايَةٌ صَرِيحَةٌ بِسَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَفِيهِ: فَقَالَ عِرَاكٌ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّاسِ أَمَرَ بِمَقْعَدَتِهِ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَصِنْفٌ: كَرِهُوهُ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ: مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَا.
وَصِنْفٌ: رَخَّصُوهُ، وَهِيَ مُطْلَقًا، وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فِرْقَةٌ: طَرَحُوا الْأَحَادِيثَ لِتَعَارُضِهَا، وَرَجَعُوا إلَى الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ الْإِبَاحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَبِحَدِيثِ عِرَاكٍ أَيْضًا.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: فَصَّلُوا، فَكَرِهُوهُ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، وَمِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ، وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: «رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَجَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟، قَالَ: بَلَى، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك، فَلَا بَأْسَ»، انْتَهَى.
وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ.
عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ قَالَ الْحَازِمِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. انتهى.
(وَتُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْهُ بِمَنْ تَحْتَهُ، وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجِصِّ وَالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ قُرْبَةٌ، وَهَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَفْعَلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ، دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى النَّقْشِ، حَتَّى لَوْ فَعَلَ يَضْمَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ:

(الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: سُنَّةٌ) لِظُهُورِ آثَارِ السُّنَنِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» أَمْرٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ.
الشرح:
بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ:
الْحَدِيثُ الْمُوَفِّي لِلْمِائَةِ: حَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ خَارِجَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي مُرَّةَ عَنْ خَارِجَةَ، قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عَنْ الصَّحَابِيِّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِابْنِ إِسْحَاقَ وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ، وَنُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: أَمَّا تَضْعِيفُهُ بِابْنِ إِسْحَاقَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ، وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ إنَّمَا ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ الْبَصْرِيَّ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَمَّا هَذَا رَاوِي حَدِيثِ خَارِجَةَ، فَهُوَ الزَّوْفِيُّ أَبُو الضَّحَّاكِ الْمِصْرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ أَبِي الضَّحَّاكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُقْبَةَ، فَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً، هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، الْوِتْرُ، وَهِيَ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَبْشِرًا، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالنَّضْرُ أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ وَأَعَلَّهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِابْنِ لَهِيعَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ.
وَأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ بِهِ، وَطَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعْنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً، فَأَمَرَنَا بِالْوِتْرِ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَالْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدَ وَالْفَلَّاسِ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ ثِقَةٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ الإسكندراني ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، وَهِيَ الْوِتْرُ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخَلَّالُ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ، كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَالنَّضْرُ لَيِّنٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِأَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَاحْتَمَلُوهُ فِي غَيْرِهَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ الزَّوْفِيُّ، لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ يَزِيدَ، وَالْمَجْهُولُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا صَحِيفَةٌ كَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حَدِيثَهُ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ إنَّمَا هُوَ ابْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَدِيثُهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ يُقْبَلُ، وَعَنْ أَبِيهِ صَحِيفَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِهِ حَتَّى يُتَّفَقَ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ فِي أَحَادِيثَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً» لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَادُ مِنْ جِنْسِ الْمُزَادِ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، أَلَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ»، انْتَهَى.
رَوَاهُ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ، قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَرْحَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَرَحَلْت، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، فَلْيُوتِرْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا».
انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: أَبُو الْمُنِيبِ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: هُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْعُقَيْلِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ خَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا».
انْتَهَى.
وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا، وَلَا لَقِيَهُ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى: وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ».
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ الْقَاضِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ الشَّامَ فَوَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ، فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: مَالِي أَرَى أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَوَاجِبٌ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «زَادَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» انْتَهَى.
وأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ التَّنُوخِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَكَّامِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَا يَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. انتهى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَيْك، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْحَجُّ، فَدَلَّ عَلَى أَثَرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلَفْظَةُ: «زَادَكُمْ صَلَاةً» مُشْعِرَةٌ بِتَأَخُّرِ وُجُوبِ الْوِتْرِ، وَلَكِنَّ الْحَجَّ مَذْكُورٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَخْرَجَهُ فِي أَوَّلِ الْإِيمَانِ عَنْ أَنَسٍ، وَلَمْ يُسَمِّ مُسْلِمٌ ضِمَامًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ، وَسَمَّى ضِمَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْحَجُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى الْبَعِيرِ»، وَفِي لَفْظٍ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ»، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، ثُمَّ عَارَضَهُ بِرِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَلِكَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ، فِيمَا قَالَ: فَإِنْ أَطَاعُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ بَعْثُ مُعَاذٍ إلَى الْيَمَنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، انْتَهَى.
وَيُقَوِّي هَذَا مَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ»، وَسَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ فِي حَدِيثِ الْأَوْقَاصِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ»، انْتَهَى.
رَوَاهُ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ، يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْوِتْرِ، أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَالَ: كَذَبَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، لَمْ يَسْتَخِفَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَهُ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَجِئْ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَذَكَرَ الْمُخْدَجِيَّ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ: هُوَ أَبُو رُفَيْعٍ، وَقِيلَ: رُفَيْعٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَصَلَاةُ الضُّحَى»، انْتَهَى.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَالْجُعْفِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِيهَا وَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى، وَمِنْدَلٌ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ، وَهُوَ سَاقِطٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَكْذِبُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، وَأَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. انتهى.
قَالَ (وَالْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ».
وَحَكَى الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلٍ يُوتِرُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ» يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ».
انْتَهَى ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ. انتهى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
حَدِيثُ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَةِ ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثَّالِثَةِ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ. انْتَهَى.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَفِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ، أَوْ الرَّكْعَةِ الْمُفْرَدَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتِرُ بَعْدَهُمَا ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَيَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا لُوَيْنُ ثَنَا شَرِيكُ بْنُ مُخَوَّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ» إلَى آخِرِهِ، بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِسَبِّحْ»، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَبَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ، كَوِتْرِ النَّهَارِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا غَيْرُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَفَعَهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي الْحَوَاجِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، إسْمَاعِيلُ الْمَكِّيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَزَادَ فِي التَّحْقِيقِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْبُتَيْراءِ، أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً يُوتِرُ بِهَا»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ هَذَا الْوَهْمُ، انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ، لَا يُعَرَّجُ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْبُتَيْرَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ بِرُكُوعٍ نَاقِصٍ وَسُجُودٍ نَاقِصٍ، انْتَهَى.
وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّهُ، وَتَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، بَلْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَأَمَرَهُ بِثَلَاثٍ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَاف أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: هِيَ الْبُتَيْرَاءُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَهَى.
فَقَدْ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ هَذَا مِنْ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُمْ مُعَارِضُونَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةً، وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، انْتَهَى.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ سَعْدًا يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: مَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ وِتْرَ النَّهَارِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، قَالَ: صَدَقْت وَأَحْسَنْت. انْتَهَى.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ، فَصَلِّ رَكْعَةً، تُوتِرُ لَك مَا صَلَّيْت».
قَالَ: مَعْنَاهُ، صَلِّ رَكْعَةً، مَعَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَهَا، وَتَتَّفِقُ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: عَلَّمَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوِتْرَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، هَذَا وِتْرُ اللَّيْلِ، وَهَذَا وِتْرُ النَّهَارِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ ثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: صَلَّى بِي أَنَسٌ الْوِتْرَ، أَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ خَلْفَنَا، ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ ابْنِ هِلَالٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: دَفَنَّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي لَمْ أُوتِرْ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى بِنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الْوِتْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا، فَالْفَرْضُ لَيْسَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَكُونُ اثْنَيْنِ، وَلَا أَرْبَعًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ سُنَّةً، إلَّا وَلَهَا مِثْلٌ فِي الْفَرْضِ مِنْهُ أُخِذَتْ، وَالْفَرْضُ لَمْ نَجِدْ مِنْهُ وِتْرًا إلَّا الْمَغْرِبَ، وَهُوَ ثَلَاثٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: مِنْ جُمْلَةِ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ دُونَ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنْ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنًا، قَالَ: وَلِهَذَا قَدَّمَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»، لِأَنَّ مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذُكُورِهِ لَا تَجِبُ فِي إنَاثِهِ، قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَحَكَى الْحَسَنُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ ثَنَا عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
وَعَمْرٌو هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَإِنِّي وَجَدْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي إسْنَادٍ آخَرَ، نَظِيرَ هَذَا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الْأَيْلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلِ فِقْهٍ وَصَلَاحٍ فَكَانَ مِمَّا وَعَيْت عَنْهُمْ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
(وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَعْدَهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ» وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الشَّيْءِ آخِرُهُ، وَيَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ.
«لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ الْوِتْرِ (فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ}.
(وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ) لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ»، وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ».
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ.
قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ سَلَّامٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، يَقُولُونَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت»، إلَى آخِرِ الْقُنُوتِ، وَسَيَأْتِي، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت»، إلَى آخِرِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي الْقُنُوتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك».
انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَحَدِيثُ أُبَيٍّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ، فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ»، انْتَهَى.
لِابْنِ مَاجَهْ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» انْتَهَى.
وَزَادَ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى: «فَإِذَا فَرَغَ، قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْصُولٍ، فَقَالَ: وَرَوَى حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ».
وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِهِ.
قَالَ: وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقُنُوتَ، وَحَدِيثُ سَعِيدٍ، رَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُبَيًّا، وَلَا ذَكَرَ الْقُنُوتَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَسَمَاعُهُ بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرُّكُوعِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مَتْرُوكٌ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ لَهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي نُوَيْرَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ جِهَةِ الْخَطِيبِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُنَا مُقَدَّمَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ الْحِلْيَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، فَقَنَتَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ» انْتَهَى.
وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ وَالْعَلَاءِ تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا سُهَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا سَعْدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَرَّاحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ»، انْتَهَى.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَلْطِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَإِذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرَّكْعَةِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ: اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: «عَلَّمَنِي جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ»، وَفِي لَفْظٍ: «فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ،اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانُ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، بَعْدَ وَالَيْت «وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت».
وَزَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَةٍ: «تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ».
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت»، إلَى آخِرِهِ سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ، بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى.
وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: «اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك»، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ كَانَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْقُنُوتَ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَدِيثَانِ:
الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ، عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ يَعْنِي رَمَضَانَ، وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ، إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ، فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ، انْتَهَى.
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى.
وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: الطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مُنَازَعٌ فِي ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ طَرِيفِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ، إلَى آخِرِهِ»، انْتَهَى.
وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ»، وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ الْقُنُوتُ.
(وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَجْرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ» (فَإِنْ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَسْكُت مَنْ خَلْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُتَابِعُهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ، وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلَا مُتَابَعَةَ فِيهِ، ثُمَّ قِيلَ: يَقِفُ دَائِمًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ: يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ، لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّفْعَوِيَّةِ، وَعَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ.
وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدَى مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ كَالْفَصْدِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ».
قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِلشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا فِي وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَجْرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ»، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَذْهَبِنَا أَيْضًا، لِأَنَّ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ، نَعَمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا فِي دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ سَقَطَ مِنْ النُّسْخَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْنُت فِي الْفَجْرِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ».
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي الْآثَارِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ الْقَصَّابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ إلَّا شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلطَّحَاوِيِّ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى عُصَيَّةَ وَذَكْوَانَ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ تَرَكَ الْقُنُوتَ»، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ فَاحِشَ الْخَطَأِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ»، وَفِي آخِرِهِ: «ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ، لَمَّا نَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}» الْآيَةَ، قَالَ: وَلَعَلَّ آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، بَعْدَمَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ»، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَهُوَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِكَثِيرٍ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُحُدٍ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}».
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ بِهِ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: يَوْمَ أُحُدٍ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمُ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ»، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ» يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ فَقَدْ «دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مَنْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ»، وَهِيَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ جُمْلَةً انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى: وَعَنْبَسَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَلَا يَصِحُّ لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ بِعَنْبَسَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تَرَكُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هَيَّاجٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَصَفِيَّةُ هَذِهِ لَمْ تُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ، إلَّا إذَا دَعَى لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَى عَلَى قَوْمٍ» انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَسَنَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، وَهُمَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّازِلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ السُّحَيْمِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ قَانِتًا فِي صَلَاةٍ إلَّا فِي الْوِتْرِ»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ بِمُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَضَعَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِبِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ»، انْتَهَى.
وَاسْمُ أَبِي مَالِكٍ، سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ الْأَشْيَمِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «قُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إنَّك قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ، نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ»، انْتَهَى.
وَقَدْ وَثَّقَ أَبَا مَالِكٍ، الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَيْنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يَحْفَظْ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ الْقُنُوتَ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَهُ، فَرَآهُ مُحْدَثًا، وَقَدْ حَفِظَهُ غَيْرُهُ، فَالْحُكْمُ لِمَنْ حَفِظَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَنَتُوا قَطُّ، بَلْ اتَّفَقَ أَنَّ طَارِقًا صَلَّى خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ بِمَا رَأَى، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى قُنُوتٍ رَاتِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ: مَا شَهِدْت، وَلَا عَلِمْت، انْتَهَى.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُوحَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سِنِينَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ، حَتَّى فَارَقَهُ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا أَخَذُوا الْقُنُوتَ عَنْ عَلِيٍّ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ حِينَ حَارَبَهُ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَخَذُوا الْقُنُوتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى عَلِيٍّ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ، وَضَعَّفَهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» انْتَهَى.
ومِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُوَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَزَجَرَهُ أَنَسٌ، وَقَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا».
قَالَ إِسْحَاقُ: وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ تَرَكَهُ» يَعْنِي تَرَكَ تَسْمِيَةَ الْقَوْمِ فِي الدُّعَاءِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لَهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لِلنَّوَوِيِّ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ: وَقَالَ: وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ أَنَسٍ ذَكَرْنَاهَا فِي السُّنَنِ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَى التَّحْقِيقِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ أَحَادِيثِهِمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَثَّقُوا أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ لِأَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ، قَالَ: وَإِنْ صَحَّ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يَقْنُتُ فِي النَّوَازِلِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْقُنُوتَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ، وَالْخُشُوعِ، وَالسُّكُوتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، وَقَالَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ}، وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْنُتُ مِنْكُنَّ لِلَّهِ}، وَقَالَ: {يَا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّك}، وَقَالَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، وَقَالَ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ»، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ، وَفِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ يَحْيَى: كَانَ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ»، انْتَهَى.
قُلْت: وَيُعَارَضُ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا غَالِبُ بْنُ فَرْقَدٍ الطَّحَّانِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ شَهْرَيْنِ، فَلَمْ يَقْنُتْ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، انْتَهَى.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: «لَمْ يُرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَى يَوْمِنَا، فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِثْلِ: عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَائِشَةَ، وَمِنْ الْمُخَضْرَمِينَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَقَتَادَةُ وَطَاوُسٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمِ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ فَمَنَعُوهُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، مُحْتَجِّينَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شَهْرًا، لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ»، وَقَالَ: تَابَعَهُ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ»، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْيَمَامِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، كَانَ إذَا حَارَبَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ».
وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ».
وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ، رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، قَالَ: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَدْ قِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا قِيلَ فِي أَبِي حَمْزَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، كُلُّهَا وَاهِيَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِطُرُقٍ صِحَاحٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبِي، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: كَانَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى وَأَبُو حَاتِمٍ وَالسَّاجِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ»، مُرْسَلٌ، لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يَلْقَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَعَنْبَسَةُ، كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، لِأَنَّ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ، وَيُقَالُ لَهُ: أَبُو عَمْرٍو النَّدْبِيُّ مَطْعُونٌ فِيهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت ابْنَ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفُهُ، وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَا يُحْمَلُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ضَعِيفٌ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ هَاهُنَا الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ طُرُقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ نَسِيَ، بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ، فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ قَدْ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَبَرْنَا وَنَسِينَا، ائْتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْأَلُوهُ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مِنْ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْقُنُوتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَا الَّذِي بَعْدَ الرُّكُوعِ، مَا أَخْبَرَنَا وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إِسْحَاقُ الدِّيرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ قُنُوتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبَعْدَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: إسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثِقَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي مُسْنَدِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «سَأَلْته عَنْ الْقُنُوتِ، أَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَ: قُلْت: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبُوا، إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ، قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ»، انْتَهَى.
هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَفِي حَدِيثِهِمْ: «إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا»، أَلَا تَرَاهُ فَصَلَ بَيْنَ الْقُنُوتِ الْمَنْزُولِ وَالْقُنُوتِ الْمَلْزُومِ، ثُمَّ لَمْ يُطْلِقْ اللَّفْظَ حَتَّى أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ عَنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ تَرَكَهُ، لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ، وَعَادَ إلَيْهِ، قُلْنَا: هَذَا مَدْفُوعٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَمَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، فَمَا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَرُبَّمَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، يَجْهَرُ بِذَلِكَ»، حَتَّى كَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا، وَفُلَانًا، لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}» الْآيَةَ.
قَالَ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ، إذْ جَاءَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُنْ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْك سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَك رَحْمَةً {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَخْضَعُ لَك، وَنَخْلَعُ، وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي، وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخَافُ عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ»، انْتَهَى.
ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرَكَ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا»، انْتَهَى.
قَالَ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ مُطْلَقٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَنَتَ.
وَالثَّانِي: مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَنَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلِهِ شَهْرًا بِأَدِلَّتِنَا.
الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَالرَّابِعُ: مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي حُجَّتِهِمْ، نَحْوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا»، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ.
قَالَ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ أَحَادِيثَ، أَظْهَرَ فِيهَا تَعَصُّبَهُ: فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ عَنْ دِينَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، خَادِمِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَسُكُوتُهُ عَنْ الْقَدْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهِ، وَقَاحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَعَصَبِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَقِلَّةُ دِينٍ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دِينَارٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ آثَارًا مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، فَوَاعَجَبَا لِلْخَطِيبِ، أَمَا سَمِعَ فِي الصَّحِيحِ: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ»، وَهَلْ مِثْلُهُ إلَّا كَمَثَلِ مَنْ أَنْفَقَ نَبَهْرَجًا وَدَلَّسَهُ؟، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلنُّقَّادِ، فَإِذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مُحْدِثٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ حَافِظٌ لَمْ يَقَعْ فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهَا عَصَبِيَّةٌ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ، وَ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْجَهْرِ، وَمَسْأَلَةِ الْغَيْمِ، وَاحْتِجَاجِهِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي يَعْلَمُ بُطْلَانَهَا، اطَّلَعَ عَلَى فَرْطِ عَصَبِيَّتِهِ، وَقِلَّةِ دِينِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ أُخْرَى، كُلَّهَا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ»، وَطَعَنَ فِي أَسَانِيدِهَا.
حَدِيثٌ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ:
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَتْ: «كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ»، وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَرَكَعَ».
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرُوِيَتْ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَثَوْبَانَ، وَمُعْظَمُهَا ضَعِيفٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّاتٍ، لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَخَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ، كَانَ وِتْرًا، مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ اللَّيْلَ وِتْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.